Tuesday 12 March 2013

في هجاء نظرية المؤامرة


يفجر لي عم عبد الصمد المفاجئة القاسية والتي لم أتوقعها ببراءتي. فكانت هذه أول مرة أعرف فيها أن هجوم الجراد على مصر هذه المرة وفي خضم الأزمة الإقتصادية والسياسية الطاحنة كان من عمل الموساد والصهيونية العالمية والإمبريالية، وليس بسبب العوامل الطبيعية التي يمكن قياسها وتوقعها. وكان عم عبد الصمد كذلك هو أحد أول من كشف حقيقة أن حوادث القتل والإصابات التي إرتكبتها سمكة القرش في منتجعات البحر الأحمر كان وراءها سمك قرش يتم التحكم فيه إلكترونيا كذلك عن طريق الموساد. كما أن التسونامي كان من عمل المخابرات الأمريكية، بحسب رأي صديق، وليس بسبب العوامل الطبيعية التي تتكرر منذ قرون وقرون كما كان يدعي لنا التاريخ والعلم الكاذبين. كما أن السيدة نائلة متأكدة أن كل العنف ضد المظاهرات والتخريب وراءه طرفا ثالثا، سواء فلولا أو رجال من حماس أو رجال مخابراتيين من الغرب أو ما شابه. وعندما تشاهد الفيديوهات التي تظهر رجال أمن مثلا يفعلون شيئا خارجا عن القانون، فهي تعي بكل ثقة أن الفيديو بالطبع فوتوشوب، ولابد أنها تدرك كذلك أن الفوتوشوف برنامج للصور وليس للفيديوهات، ولكنها تبسط الأمور لي نظرا لبساطة عقلي المحدود.

أما مودي، وهو إسم الدلع الخاص به، فهو ليس مخدوعا مثلنا، فهو على دراية كاملة بالمؤامرة العالمية سايكس-سمير صبري ٤. وهو يرى بروتوكولات حكماء صهيون تتحقق أمامه، ولا يهمه أن كل المؤرخين المحترمين بما فيهم عبد الوهاب المسيري قالوا أن البروتوكولات وثيقة مزيفة وغير حقيقية، فبالتأكيد هم جزء من - أو ضحايا - مؤامرة كبيرة، أكبر منا جميعا. عندما سألت مودي عن تعريف الإمبريالية التي يتحدث عنها دائما، لم يجبني، ولكن لا يهم، فهي موجودة لا محالة. وعندما سألته عن تلك التفاصيل الدقيقة التي يعرفها ويرددها عن إجتماعات الإمبريالين، فقال أنه سمعها من ذلك البرنامج. فسألته ما كان دليل البرنامج، فقال أن البرنامج قال أنه لديه وثائق وأنه سيخرجها في الوقت المناسب.وبالطبع، صدقت الأمر. فلماذا يكذب البرنامج علينا أو يبالغ؟ وبالطبع ليس من المعقول مثلا أن يكون الباحث باحثا ركيكا ولا يبحث في مصادر غير مناسبة، أو أن تحليله يكون ضعيفا أو مغلوطا. بالطبع مستحيل، فهو على التليفزيون! وقد إستشهد حتى بإسم باحث أمريكي، ربما لسنا على دراية بهذا الباحث، بس شكله راجل كُبّارة وعالم كده.

بل كذلك: السبب الحقيقي في تردي جودة اللمبات بالمنازل هي مؤامرة لإستنزاف مواردنا المالية، بحسب الأستاذ صبحي، والذي دائما ما يشتكي من إنفجار اللمبة بشكل دوري. وبالطبع، فالبرادعي عميلا للخارج وساعد الأمريكان في دخول العراق، بالرغم من وجود فيديوهات له ضد الغزو وهو يقول في تقريره أننا لا توجد أسلحة في العراق، وأنه خسر منصبه بسبب - كما إعتقدنا - معاداته للغزو الأمريكي. ولكن الأستاذ صبحي لا تنطلي عليه تلك الخدعات والمسرحيات والفيديوهات والأحداث والقوائع والمجادلات التي تبدو منطقية للعقول البسيطة.

***

نحن نعيش كارثة.

نحن نرى العالم كله متأمرا ضدنا. ونرى أن الناس في العالم تستيقظ لتفكر كيف تدمرنا وتؤذينا، وأنه ليس لديهم مصلحة سوى إيذائنا، وأننا أهم شيء في الكون، وأن هؤلاء المتأمرون هم تجسيد للشر وليس لديهم أسرً أو كانوا  يوما أطفالا أو شيئا من ذلك القبيل. إنهم متأمرون. فور ولادتهم، إرتدوا ملابس سوداء ونظارات شمس سوداء وصاروا مدخنين وهم لا يسيرون بعد، وأصبحوا متأمرون. والأهم، فنحن أناسا بريئة، ولسنا على دراية بأي شيء، ودائما نحن الضحية، والكل متحالفا ضدنا. 

وأحداث ١١ سبتمبر من فعل الأمريكان ضد أنفسهم، بالرغم من إعتراف رسمي من مرتكبيها. والثورات العربية هي مؤامرة عالمية لتدمير المنطقة، ولا يهم صاحب هذه النظرية أن النظم السابقة كانت تعطي للغرب كل ما يحتاجه من إستقرار وموارد وبترول وأقصاء للإسلاميين الذين كانوا - وقتها - يعادون أمريكا علنا والتعامل معها، ويتجاهلون أن إنهيار المنطقة أو الفوضى فيها كفيلا بزيادة حجم الإرهاب، وهو التحدي الأكبر للغرب الآن (وليس الجيوش المنظمة كما كان الأمر أثناء الحرب الباردة)، بل وقد يهدد تدفق البترول والغاز كذلك، وقد يؤدي إلى صعود أنظمة يمينية هي أقل ميلا للغرب بطبيعتها الأيديولوجية، بعيدا عن أي حسابات براجماتية مؤقتة. لا يهم كل ذلك. المنطق لا يهم. يقولون أن الغرب يدعم المعارضة منذ اليوم الأول في سوريا ليدمرها بينما يتناسون أن بعض مكونات المعارضة قد تكون أكثر تشددا من النظام القائم، وأن النظام الحالي كان منشغلا في أموره منذ عقود ولا يمثل خطورة حقيقية على الغرب أو إسرائيل منذ فترة طويلة. وكذلك كان الأمر في ليبيا. بل يذهب أصحاب نظرية المؤامرة كذلك إلى ربط جهات متناقضة معا في إطار واحد. فمثلا، إيران وقطر وأمريكا وإسرائيل والإخوان كلهم يعملون معا في كل شيء ويخططون كل شيء معا منذ البداية، بمعجزة ما يعجز على العقل البشري تحليل كل أبعادها.

ومؤيدوا نظريات المؤامرة، وهم كثيرون للأسف، عادة ما يستقون معلوماتهم من صحف وبرامج صفراء، ليس بها مصادر حقيقية، وعادة ما تكون المعلومة منقولة، ولا يراجعون وراءها، ويبحثون عن التفسير الأصعب وليس المباشر، ولا يرون أنه يمكن أن يكون من يؤيدونهم من جهات سياسية أو أصحاب الرأي هم المخطئون في أي شيء، ومهما عرضت عليهم أدلة منطقية فهم لا يرون سوى المؤامرة. هناك في عقله دوما مجموعة ما تجلس بملابسها السودائ في بقعة ما في العالم حول مائدة مستديرة ومحاطة بخرائط للعالم تتحكم في كل شيء.

هل هذا يعني أنه ليس هناك مؤامرات؟ بالطبع هناك. وبعضها موثق تاريخيا بالفعل. إذا كنا داخل مصر وداخل منازلنا حتى نتأمر ضد بعضنا البعض، أفلن يتأمر ضدنا جهات أو دول أو أشخاص أو ما إلى غير ذلك؟ بالطبع. ولكن ليس كل شيء مؤامرة، وليس كل من يتأمر ينجح دائما، ولابد من أن تكون المؤامرة منطقية الهدف والتفاصيل، ولابد من أن يكون هناك دليلا دامغا عليها. للأسف، فهناك أجيالا قد تربت على بروباجاندا إعلام الدولة الموجه، والذي قام بتعليم الناس أننا دائما ما نعيش في مؤامرة حتى تلتف الناس حول النظام، وحتى يحكم النظام قبضته حول الناس، ويتقبلون الظروف الإقتصادية الصعبة وقمع الحريات والمعارضة وما إلى غير ذلك.

ولكن، للتلخيص، حتى إثبات عكس ذلك: فالجراد جاء بحسب الظروف المناخية الطبيعية، والتسونامي سببه العوامل الطبيعية التي تتكرر منذ قرون وقرون، ومن تراهم في الفيديوهات يرتكبون عنفا هم بالفعل يرتكبون عنفا في هذه الفيديوهات وهي ليست فيديوهات مضروبة، والطرف التالت لا يفعل كل شيء ولا أحد يعلم من هو وإن كان موجودا بالأساس، ونحن لسنا كل شيء في العالم وهناك أماكن أخرى في العالم غيرنا وربما أهم منا، وليست أمريكا كتلة واحدة متحدة المصالح ولكن بها مجموعات ذات مصالح متناقضة تتصارع للتأثير على السياسة الخارجية والمحلية، وسمك القرش الذي أذى السياح في البحر الأحمر قد أذاهم لنفس الأسباب التي يؤذي لها السياح في أماكن أخرى. والبرادعي كان ضد غزو العراق.

بالله عليكم: فلتقرأوا لكتابا محترمين، قوموا بتحليلات منطقية، إبحثوا عن مصادر ومراجع موثوقة، لا تقبلوا أنصاف المعلومات أو المعلومات المنقولة أو المعلومات التي يدعي أحد ما أنه يعرفها عن ثقة، حتى ولو كان شخص تثق به. كفانا تخريبا لعقولنا بأيدينا. كفانا الكتب المهترئة التي تُباع على الأرصفة لأناسا مغمورين يكتبون ما يأتي لهم في أدمغتهم على أنها تحليلات ووقائع. وكفانا تهربا من الواقع بالبحث دائما عن مؤامرة، وكفانا كوننا نحن أكبر مؤامرة ضد أنفسنا!!!