Saturday 16 July 2011

الرأسمالية ليست كلمة قبيحة




ملخص: لا تهدف المقالة الى مناقشة الرأسمالية بعمق او اقناع القارئ بها. هدف المقالة هو انتقاد اسلوب النقاش في مصر و العالم العربي بين اليسار و اليمين، و الجدال ان كلمة "رأسمالية" ليست كلمة سيئة بالأساس كما يشيع البعض، و ان عدد كبير من المشاكل المرتبطة بفكرة الرأسمالية سببها الفساد و القوانين الفاشلة، و ليس بالضرورة في النظرية نفسها و أن "الليبرالية و الرأسمالية جائا نظريا و عمليا في اطار السعي لتحرير الانسان كفرد من بطش و قمع الحكومات و المؤسسات و الحكام و حتى من سيطرة المجتمع نفسه عليه احيانا، و حمايته من السياسات الحكومية الفاسدة او الفاشلة التي قد تضر المجتمع من الناحية السياسية او الاجتماعية او الاقتصادية عن طريق تقنين و تحديد دور الدولة في هذه المجالات ايضا. اذا، فالدفع بإتجاه الاقتصاد الحر جاء في اطار المحاربة من اجل منظومة كاملة تريد ان تعطي الحرية للانسان حريته السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، و تحرره بالتالي ايضا من سيطرة الحكومات و المؤسسات، و تعطيه هو شخصيا القوة مباشرة في يده ليبني نفسه و مجتمعه بنفسه، كما تريد ايضا تطلق العنان لإبداعه الشخصي و قدراته على الابتكار في اطار المنافسة الشريفة في اسواق حرة."
-----------


من إضراب عمال شركة طنطا للزيوت بعد خصخصة الشركة


منذ ان بدأت الكتابة و المشاركة و في محاولتي ان اكون جزئا من الحراك الفكري الكبير الحادث في مصر الآن على قدر استطاعتي، كانت دائما من اكثر القضايا التي لاحظت تأثيرها السلبي على الحياة السياسية المصرية هو تحريف معاني مصطلحات فكرية و اقتصادية و سياسية، و الافتراء على بعضها الآخر، من اجل اضعاف حجج الآخرين و تشويه صورتهم، سواء على مستوى الافراد او المعارضة المنظمة، او عدم الفهم الدقيق لهذه المصطلحات و ماضيها و رؤيتهم لها من منظور ضيق. فنحن ننظر الى الاسلام السياسي فقط على انه التطرف و المناداة بالخلافة بشكلها القديم، و الاشتراكية على انها دعوة لإنشاء دولة شيوعية قائمة على الالحاد، او ان اليسارية بصفة عامة هي دعوة لأفكار فاشلة و متأخرة و غير منطقية و ان اتباعها منعزلون عن العالم، و غيرها من الانتقادات السخيفة التي اسمعها يوميا.

 و بالطبع، فهناك ايضا الهجوم على الرأسمالية على انها تكريسا للجشع و الاستعباد المادي في صورة قانونية، وربطها فكريا بسياسات بعض المصانع و الشركات التي تنتهك حقوق العمال، و إزدياد الفقر في العديد من الدول في نفس الوقت الذي إزداد فيه الاثرياء فيها ثرائا، و نهب خيرات الطبيعة من قبل شركات جشعة، و حتى ربطها بالعمليات العسكرية مثلا التي يقال ان هدفها الحقيقي تأمين موارد الطاقة (مثل حرب العراق)، و بينما ان الرأسمالية في حد ذاتها ليست هي السبب بالضرورة. و لاحظت اكثر من مرة كيف و قد اصبحت كلمة "رأسمالية" شتيمة تستخدم في سب البعض، و كأن معناها في الأصل سبة، بينما ان كلمة "رأسمالية" ليست كلمة "قبيحة" في الحقيقة. و ببساطة، فالكلمة تعني حرية حركة و تراكم و استثمار"رأس المال" من قبل الافراد و المؤسسات بحثا عن الربحية او لتحقيق اهداف اخرى قانونية، بالاضافة الى حرية امتلاك و تشغيل وسائل الانتاج (مثل الاراضي و المصانع و الموارد الطبيعية) لنفس الاسباب، و هذا كله طبعا تحت تنظيم القانون. و يفضل البعض احد البدائل الشهيرة لها لغويا، و هي كلمة "الاقتصاد الحر"، و هي نفس الكلمة التي تفضلها الصحافة نظرا لأنها اكثر وضوحا و اقل اثارة للعداء المباشر نظرا لعدم احتوائها على مشتق من مشتقات كلمة "المال" بها. و لكي نزيح اي من الشبهات المرتبطة بكلمة "رأسمالية" على اية حال، لابد من فهم كيفية نشأة الفكرة في حد ذاتها، فكرة حرية الاقتصاد و حرية الافراد في التنظيم و العمل الاقتصادي.

فالإقتصاد الحر ولد بصورته الحديثة كمكوّن اساسي للفكر الليبرالي، و ان كان موجودا قبل ذلك بكثير. و الليبرالية نفسها جائت كنتيجة لقرون من قمع الحكومات و المؤسسات السيادية للدول و الملوك و النبلاء و الحكام  و المؤسسات الدينية (في بعض الاحيان) للشعوب و الافراد. فقد مارست الانظمة الحاكمة عبر التاريخ القمع الفكري و صادرت حرية الرأي و حرية العقيدة و انتهكت حق الامان الجسدي و الحريات السياسية و الشخصية الاخرى. وعلى المستوى الاقتصادي قامت بتشريع سياسات اقتصادية فاشلة و شمولية في العديد من الاحيان، و فرضت ضرائب باهظة اضرت بالعديد من المؤسسات و الاشخاص و الشركات و المزارعين و الافراد، بالاضافة الى انتهاج سياسات في بعض الاحيان كانت قد تبدو و كأنها تحت مسمى "حماية المنتج المحلى"، مثل فرض جمارك ضخمة او حظر الاستيراد على اشياء محددة، بينما ان الهدف الحقيقي منها كان الحفاظ على احتكار افراد و مؤسسات لسلع و خدمات محددة بصورة فاسدة و مضرة للصالح العام.

 و تملكت الملوك و النبلاء و المؤسسات الدينية الاراضي و وسائل الانتاج و أدارتها لمصلحتها و انتفعت منها بصورة مباشرة و استخدمت هذه الموارد لتقوية نفسها و حكمها و بطشها تحت مسميات احيانا ظاهرها نبيل ايضا. و بنفس الصورة بعد ذلك ببعض الوقت في الدول الاشتراكية و الشيوعية، مع ان الدوافع النظرية كان هنا اغلبها نبيل، ادارت بعض الدول اقتصادها بصورة مباشرة و عميقة و حاولت تخطيط كل ما يتعلق بهذا الاقتصاد من حيث ما ينتج و كيف ينتج و قدر انتاجه و اسعاره و سياسات التوسع الاقتصادي و المرتبات و غيرها من الجوانب العامة للاقتصاد، بالإضافة الى انتهاج ايضا سياسات حمائية قوية جدا بهدف تنمية المنتجات المحلية. و كانت نتيجة الحالات الشديدة المركزية مثل الاتحاد السوفيتي هو تضخم الدولة و تهالك معظم شركاتها و انخفاض جودة منتجاتها و كفائة الانتاج في اغلب القطاعات (مع استثناء واضح و هو الصناعات العسكرية، نظرا "للمنافسة" مع الولايات المتحدة على الزعامة الدولية) مع اضطرار الحكومة لإستخدام القمع الامني ضد أي معارضة فكرية للحفاظ على هذا النظام المركزي ضد انتقادات الآخرين، و في الحقيقة للمحافظة النخبة الحاكمة على مواقعها و سلطاتها.




احد اهم كتب المفكر الاقتصادي ميلتون فريدمان (الرأسمالية و الحرية) الذي يربط فيه بين اهمية تركز القوة في يد الناس و ليس الدولة، حتى يكون هناك امكانية حرية حقيقية


و في بعض الاحوال حاولت العديد من الدول، قديما و حديثا و بنيِّة سليمة، حماية صناعات محلية ايضا عن طريق حظر الاستيراد و الجمارك و غيرهما، بينما كانت تنتج تلك الصناعات المحلية منتجات باهظة الثمن (نظرا لغلو المواد الخام مثلا في هذه البلد لندرتها او صعوبة استخراجها) و ربما سيئة الجودة لسبب ما او بآخر، و ذلك مقارنة بمثيلاتها التي من الممكن استيرادها من الدول الاخرى، بينما لم يتم مثلا تفعيل اي برنامج حقيقي لدفع هذه الصناعات للقدرة على المنافسة الحقيقية،  فضلا عن امكانية تحويل الموارد و العمالة الحالية الى صناعات اخرى تمتلك فيها هذه الدولة القدرة الحقيقية على التنافس. فالفكرة التي تقوم عليها نظرية الاقتصاد الحر، و قاما بتنظيرها بالاساس آدم سميث و ديفيد ريكياردو مع آخرون، هو انه من الافضل ان تقوم كل دولة بالتخصص و إنتاج المنتجات و الخدمات التي تستطيع انتاجها بصورة افضل و ارخص، و تبادلها مع الدول الاخرى، بدلا من اسائة استخدام الموارد في محاولة انتاج كل شيء، و ان ذلك سيؤدي الى المدى البعيد الى وجود جميع المنتجات و الخدمات بأحسن و بأرخص صورة ممكنة. و قد اثبت ديفيد ريكاردو ان من مصلحة الدول التخصص و التجارة مع الدول الاخرى حتى في حالة قدرة دولة ما على انتاج كل المنتجات بصورة ارخص على حدة. بل و هناك نظرية سياسية تقول ان المجتمعات التي تتشارك في اطار التجارة الحرة لا تذهب ابدا الى الحرب بينها، و لا ادري ان كانت هناك استثنائات لهذه النظرية، الا ان الواقع ان التجارة الحرة تخلق شبكات من المصالح المشتركة و الاعتماد المشترك على اقتصادات الدول الصديقة في تلبية الاحتياجات المشتركة لشعوبهم و اسواقهم، و بالتالي يضع ذلك اهمية كبيرة على الاستقرار المشترك لكل الدول المشاركة في التجارة الحرة الجماعية. و هناك توصيف طريف لهذه النظرية، و هو انه "لا تتحارب ابدا دولتان بهما فروع لماكدونالدز."

و النظرية الرأسمالية في الاساس الهدف منها تنمية المجتمع كله، و ليس خدمة مصالح الاثرياء فقط كما يشيع البعض في حماسة، و التركيز على خلق ثروات جديدة، و يجادل المؤمنون بالرأسمالية ان كل التفاوتات الاجتماعية او التجارب التي قد توصف انها فاشلة و تنسب مباشرة الى الممارسات الاقتصادية الحرة سببها الحقيقي هو الفساد و القوانين السيئة او الفاشلة او الغير براجماتية، و التي لا تخلق منافسة حرة و شريفة فعلا و تنظيم سليم لعمل الاسواق و الشركات و الافراد، تماما مثلما يجادل الاشتراكيون ان فشل بعض التجارب الاشتراكية كان سببه فشل السياسيات، و ليس فشل النظرية نفسها. و الحكم لكم.

ما اريد ان اوضحه هو ان الليبرالية و الرأسمالية جائا نظريا و عمليا في اطار مشروع كامل هدفه السعي لتحرير الانسان كفرد من بطش و قمع الحكومات و المؤسسات و الحكام و حتى من سيطرة المجتمع نفسه عليه احيانا، و حمايته من السياسات الحكومية الفاسدة او الفاشلة التي قد تضر المجتمع من الناحية السياسية او الاجتماعية او الاقتصادية عن طريق تقنين و تحديد دور الدولة في هذه المجالات ايضا. اذا، فالدفع بإتجاه الاقتصاد الحر جاء في اطار المحاربة من اجل منظومة كاملة تريد ان تعطي الحرية للانسان حريته السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، و تحرره بالتالي ايضا من سيطرة الحكومات و المؤسسات، و تعطيه هو شخصيا القوة مباشرة في يده ليبني نفسه و مجتمعه بنفسه، كما تريد ايضا تطلق العنان لإبداعه الشخصي و قدراته على الابتكار في اطار المنافسة الشريفة في اسواق حرة. 

هذا لا يعني انه نظام كامل  أو رائع بالضرورة، حيث ان كل نظام له منتقدوه الذين يؤمنون بأنه يحتوي على قدر ما من العيوب، و لا جدل على ان الغالبية الساحقة من الليبراليين الآن يؤمنون بدور واضح للدولة في تنظيم الاقتصاد و حماية حقوق العامل و الحفاظ على المنافسة الشريفة و سلامة البيئة و غيرها من المصالح العامة للشعب، و ان اختلفوا على حجم هذا الدور، و ذلك بالطبع مع بقاء عدد كبير من الليبراليين الكلاسيكيين و الليبرتاريين الذين يؤمنون انه كلما كان دور الدولة المباشر (كجهة منتجة او مستثمرة او تنظيمية) في الاقتصاد اقل، كلما كان ذلك افضل للناس كلها. و هؤلاء لهم حجج ليست واهية اطلاقة و شديدة القوة و تستحق الدراسة، بالرغم من عدم ميلي للاتفاق معها، على الاقل في صورها القصوى. و لكن ليس موضوع المقالة هو مناقشة الرأسمالية بمزاياها و عيوبها او مقارنتها بالإشتراكية، و لكن الهدف هو انهاء الاعتقاد البدائي ان كلمة "رأسمالية" كلمة سيئة من حيث المعنى أو ان فيها ما يمكن ان يتم استخدامه كسباب. 

الرأسمالية ليست كلمة قبيحة...

و لذلك، فأرجو شيئين. اولا، حان وقت ابطال استخدام تلك الكلمة بمعنى "الجشع" او "استعباد الغني للفقير" و غيرها من الافكار السخيفة المرتبطة بهذا المصطلح، و ذلك في اطار الاهتمام بالشكوى المشتركة من الجميع  حول تلاعب البعض بمعاني الالفاظ و الايديولوجيات و تاريخها من اجل تحقيق مصالحهم الشخصية. ثانيا، و هو مطلب عام بعض الشيء، لابد من الارتقاء بمستوى الحوار حول الايديولوجيات و الاتجهات الاقتصادية و السياسية في مصر و العالم العربي بصفة عامة، بدئا بالتقليل من الشعارات الرنانة في السخرية او انتقاد او دعم الاشتراكية او الليبرالية/الرأسمالية، و فهم ان كلا النظريتان (و غيرهما) يريدان رفع المستوى المعيشي للمجتمع ككل، و ان لدى كليهما حجج تستحق الاحترام و المناقشة، و ان العديد من المساوئ المرتبطة بكليهما سببه فعلا الممارسة الخاطئة قبل فشل النظرية ذاتها. لابد من فهم انه ان التحمس المبالغ فيه احيانا للرأسماليين لنظرياتهم، و الذي "قد" يتهمه البعض انه مجافيا للواقعية، ليس اساسه حب المال او عدم الاهتمام بالفقراء، و لكن سببه تقديس حرية الفرد و الخوف من قمع الدولة تحت اي مسمى، و الايمان ان حرية الاقتصاد هي فعلا الطريق الوحيد لخلق ثروات تنهض بكل المجتمع. و في الوقت ذاته، فتحمس اليساريين الشديد لفكرهم، و الذي قد يتهمه البعض ايضا انه مجافيا للواقعية، سببه الايمان بقدسية كرامة الانسان و حقه في الحياة و ضرورة الاهتمام "الفوري" بالفقراء. و كل هذه المبادئ رائعة و لا جدل عليها، و لابد ان تكون نقطة البداية في اي حوار مشترك هو الاعتراف بها، و ان كلا الايديولوجيتان يريدان النهضة بالمجتمع كله و ان اختلفا جدا في الطرق.



--------
ملحوظة: انا اصنف نفسي اكثر كليبرالي اجتماعي او كأحد مؤيدي سياسات الطريق الثالث، و هي فلسفة تحاول دمج بعض خصائص كل من الرأسمالية و الإشتراكية معا، مع اني ارفض التصنيفات الحادة و افضل العمل على اساس الواقع و السياسات. على كل حال، دفاعي عن الرأسمالية هنا ليس دفاعا بالضرورة عن معتقداتي الشخصية، و انما توضيح لأيديولوجيا انا احترمها، حتى و ان اختلفت معها في بعض صورها. لمقالة توضح انواع الرأسمالية بصورة مباشرة، اقترح عليكم هذه المقالة.
--------


---------------
ملحوظةاذا كانت هذه زيارتك الاولى الى المدونة، فارجو ان تتكرم بالقاء نظرة على القائمة التي على اليمين و التي      تحتوي على اهم مقالات المدونة و على فهرس المدونة في الصفحة الرئيسية.

ارجو متابعة المدونة عن طريق الضغط على Follow With Google Friend Connect.

اذا اعجبتك المقالة، فسأستفيد جدا اذا ضغطت على TWEET أو  LIKE. و تابعني على تويتر اذا امكن بالضغط على FOLLOW 
بالاسفل. كما اتمنى ان تتركوا تعليقاتكم و سأرد عليها.

No comments:

Post a Comment